مونديال 2002- مفاجآت آسيوية، تألق برازيلي، وأرقام قياسية لا تنسى

كأس العالم 2002: محطة تاريخية في كوريا الجنوبية واليابان
تُوّج المنتخب البرازيلي بطلاً لكأس العالم 2002، الذي استضافته كوريا الجنوبية واليابان، بينما حلّ المنتخب الألماني وصيفاً. أما المركز الثالث، فكان من نصيب المنتخب التركي، وجاء المنتخب الكوري الجنوبي في المركز الرابع.
تصدّر النجم البرازيلي رونالدو قائمة هدافي البطولة برصيد 8 أهداف رائعة.
شكّل مونديال 2002 علامة فارقة، فهو أول كأس عالم يُقام في قارة آسيا، والأخير حتى الآن الذي استضافته دولتان، كوريا الجنوبية واليابان. كما أنه أول مونديال في القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة. وقد اتخذ الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" قراره التاريخي بمنح قارة آسيا شرف الاستضافة في 31 مايو 1996.
شهدت هذه النسخة مشاركة ثلاثة منتخبات بشكل تلقائي، وهي كوريا الجنوبية واليابان بحكم استضافتهما، وفرنسا بصفتها حاملة اللقب. كما كان هذا المونديال الأول الذي يضم في صفوفه سبعة منتخبات سبق لها التتويج باللقب، وهي: الأوروغواي وإيطاليا وألمانيا والبرازيل وإنجلترا والأرجنتين وفرنسا.
وصل المنتخب البرازيلي، الذي لم يغب قط عن أي نسخة من كأس العالم، إلى النهائيات بصعوبة بالغة، بينما غابت هولندا، التي احتلت المركز الرابع في النسخة السابقة. وشهدت البطولة مشاركة المنتخب السعودي للمرة الثالثة على التوالي، ليصبح أول منتخب عربي يحقق هذا الإنجاز. كما شاركت تونس للمرة الثالثة في تاريخها، ولكن ليس على التوالي، بل كانت مشاركتها الثانية على التوالي.
شهد مونديال 2002 رقماً قياسياً من حيث عدد المنتخبات التي تشارك للمرة الأولى، حيث بلغ عددها 5 منتخبات، وهي السنغال وجنوب أفريقيا والصين والإكوادور وسلوفينيا (التي تشكلت بعد تفكك يوغوسلافيا). كما حقق المدرب الصربي الشهير بورا ميلوتينوفيتش إنجازاً فريداً بدخوله تاريخ كأس العالم كأول مدرب والوحيد الذي قاد 5 منتخبات مختلفة في تاريخ البطولة، وهي المكسيك 1986 وكوستاريكا 1990 وأمريكا 1994 ونيجيريا 1998 والصين 2002.
افتتحت هذه البطولة الاستثنائية في العاصمة الكورية الجنوبية سيؤول، بفوز مفاجئ ومدوٍ للمنتخب السنغالي، الذي يشارك للمرة الأولى في تاريخه، على حامل اللقب المنتخب الفرنسي. والمثير في الأمر أن السنغال كانت تحت قيادة المدرب الفرنسي عبدالكريم ميتسو، الذي ألحق الهزيمة بمنتخب بلاده، معتمداً على تشكيلة تضم لاعبين محترفين في الدوري الفرنسي. وقد قاد هذا اللقاء الحكم الإماراتي الشهير علي بوجسيم، كأول حكم عربي يدير مباراة افتتاح كأس العالم.
لم تقتصر المفاجآت في هذه المجموعة على هذه المباراة والنتيجة فحسب، بل امتدت لتشمل تأهل منتخبي الدنمارك والسنغال، وخروج الأوروغواي وفرنسا، التي اكتفت بنقطة يتيمة وتذيلت المجموعة في غياب نجمها زين الدين زيدان، بل لم تتمكن من تسجيل أي هدف.
بعد 14 مباراة خاضها في تاريخ مشاركاته في كأس العالم، تمكن المنتخب الكوري الجنوبي أخيراً من تحقيق فوزه الأول في المونديال على حساب بولندا. ثم تعادل مع أمريكا، قبل أن يحقق فوزاً صعباً على البرتغال بهدف يتيم، ليتصدر المجموعة في مفاجأة مدوية لم تكن الأخيرة له في هذه البطولة.
في مشاركتها الأولى والأخيرة، تلقت الصين خسائر في جميع مبارياتها الثلاث أمام كوستاريكا والبرازيل وتركيا. أما المنتخب السعودي، فقدّم أداءً مخيباً جداً في مشاركته الثالثة على التوالي، محققاً أرقاماً قياسية سلبية؛ حيث خسر أمام ألمانيا بنتيجة 8-0، منها 5 أهداف بالرأس وهاتريك للمخضرم كلوزه. واستمرت سلسلة الخسائر السعودية رغم التغييرات الجذرية في التشكيلة، حيث خسر أمام الكاميرون بهدف يتيم، ثم بثلاثية نظيفة أمام إيرلندا، لتهتز شباك الحارس محمد الدعيع برقم قياسي، ويعادل بذلك رقم الحارس المكسيكي كارباخال بتلقي 25 هدفاً في تاريخ المونديال.
شهد دور المجموعات مباراة قوية ومثيرة بين إنجلترا والأرجنتين، في إعادة لذكريات مريرة سابقة للطرفين. وتمكنت إنجلترا من تحقيق الفوز بفضل ركلة جزاء سجلها القائد ديفيد بيكهام، وكان هذا الفوز الأول للإنجليز على الأرجنتين منذ عام 1980، ليتحول بيكهام إلى بطل قومي في نظر الجماهير الإنجليزية.
سارت اليابان على خطى جارتها كوريا الجنوبية في الاستضافة، حيث تصدرت مجموعتها بنفس عدد النقاط. فازت في مباراتين وتعادلت في واحدة، وكانت في افتتاحية لقاءاتها ضد بلجيكا، ومن ثم تمكنت من الفوز على روسيا بهدف يتيم، وأخيراً على تونس بهدفين نظيفين لتتوج بطلاقة متصدرة المجموعة.
شهد دور الـ 16 مواجهات حاسمة ومثيرة، حيث فازت السنغال على السويد بصعوبة بالغة بهدف ذهبي (2-1)، وتجاوزت إسبانيا إيرلندا بضربات الترجيح بعد مباراة ماراثونية. كما تجاوزت تركيا المستضيفة اليابان بهدف وحيد وبصعوبة مماثلة. أما كوريا الجنوبية، فقد أبت الخروج من البطولة، وفي واحدة من المفاجآت المدوية، كررت إنجاز جارتها الشمالية عام 1966 وتمكنت من إقصاء إيطاليا رغم تقدم الأخيرة. أهدرت كوريا الجنوبية ركلة جزاء أيضاً ما صعب المهمة، ولكن قبل النهاية بدقيقتين تمكنت كوريا من التعادل لتصل بالمباراة للأشواط الإضافية، تم طرد توتي في الوقت الإضافي، وسجل الكوري هوان لاعب بيروجيا الإيطالي الهدف الذهبي مقصياً إيطاليا.
ضم دور ربع النهائي منتخبات من مختلف القارات، حيث شاركت أمريكا الشمالية ممثلة بالولايات المتحدة الأمريكية، وآسيا بالمستضيفة كوريا الجنوبية، وأفريقيا ممثلة بالسنغال. لكن جميع هذه المنتخبات ودعت البطولة باستثناء كوريا الجنوبية، التي قدمت أداءً تاريخياً أمام إسبانيا، وإن شاب هذا الأداء بعض الأخطاء التحكيمية التي ارتكبها الحكم الدولي جمال الغندور بإلغاء هدف صحيح لإسبانيا، وبفضل ركلات الترجيح بلغت كوريا الجنوبية نصف النهائي كأول منتخب عبر قارتي آسيا وأفريقيا.
في النهاية، حصدت تركيا المركز الثالث وكوريا الجنوبية المركز الرابع في مونديال الغرائب الآسيوي. تركت تركيا بصمتها التاريخية بتسجيلها أسرع هدف في تاريخ النهائيات، محطمة الرقم القياسي بتسجيل هدف في الشباك الكورية بعد 11 ثانية فقط من بداية المباراة. أما النهائي الحلم، فقد جمع بين البرازيل وألمانيا في المواجهة الأولى بينهما في تاريخ المونديال. رونالدو، الذي عانى من أزمة صحية في عام 1998، عاد وتألق بقوة، مسجلاً هدفي النهائي ومعلناً عن حضوره الطاغي، ليقود منتخب بلاده للفوز بالكأس الخامسة في إنجاز تاريخي شاهده سدس سكان الأرض.
* مؤرخ رياضي