مونديال 1994- تألق عربي، إثارة عالمية، وبرازيل بطلة

المؤلف: كتب: عمرو فقيه * faqeeh_1979@08.03.2025
مونديال 1994- تألق عربي، إثارة عالمية، وبرازيل بطلة

مونديال 1994 في أمريكا

المنتخب المتوج: البرازيل – المركز الثاني: إيطاليا – المركز الثالث: السويد - المركز الرابع: بلغاريا

هداف البطولة: البلغاري خريستو ستويشكوف والروسي أوليج سالينكو برصيد ستة أهداف لكل منهما

في بادئ الأمر، كانت المملكة المغربية على وشك استضافة هذا المحفل الكروي العالمي، بيد أن فارق صوت واحد فقط منح حق الاستضافة للولايات المتحدة الأمريكية في منافسة حادة مطلع صيف 1988. ورغم الاعتراضات التي أثيرت حيال استضافة بلد لا تحظى فيه كرة القدم بشعبية جارفة، إلا أن البطولة شهدت لاحقًا أكبر حضور جماهيري في تاريخ بطولات كأس العالم.

شهدت هذه النسخة استحداث نظام النقاط الثلاث للفوز، فضلاً عن طباعة أسماء اللاعبين على قمصانهم، وظهور الحكم الرابع المراقب للمباراة، وتغيير الزي الأسود التقليدي للحكام واستبداله بأزياء ملونة، بالإضافة إلى منع حراس المرمى من إمساك الكرة باليد بعد إعادتها من قبل زملائهم في الفريق، وذلك عقب الأحداث التي شهدتها مباريات المجموعة التي اتسمت بالملل في عام 1990.

كما تم إيقاف الأسطورة مارادونا بسبب فضيحة المنشطات، بعد ثبوت وجود خمس مواد محظورة في عينته، ليتم استبعاده من البطولة ومعاقبته بالإيقاف لمدة خمسة عشر شهرًا.

غابت إنجلترا وكافة الجزر البريطانية عن هذه النسخة، على غرار ما حدث في عام 1950، كما غابت الدنمارك، بطلة أوروبا في عام 1992. وشهدت البطولة المشاركة الأولى للمملكة العربية السعودية في تاريخها كممثل لقارة آسيا، في المقابل شاركت المغرب. ومن المثير للاهتمام أن المنتخبين تواجدا سويًا في نفس المجموعة.

في المباراة الافتتاحية، التقى المنتخب الألماني الموحد مع منتخب بوليفيا الذي غاب عن البطولة لمدة 44 عامًا. وتمكن المنتخب الألماني من تحقيق الفوز، ليصبح أول منتخب في العالم يحصد ثلاث نقاط كاملة في مباراة واحدة بعد تطبيق النظام الجديد، وأول حامل لقب يفوز في مباراته الافتتاحية في كأس العالم. وفي افتتاحية المجموعة الأولى، واجه البلد المضيف منتخب سويسرا في أول مباراة في تاريخ النهائيات تقام في ملعب مغلق وهو ملعب بونتياك سيلفردوم في ديترويت. وشهدت هذه المجموعة تسجيل اللاعب الكولومبي أندرياس إسكوبار هدفًا بالخطأ في مرماه أمام الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي أودى بحياته لاحقًا في كولومبيا.

نجح اللاعب الروسي أوليج سالينكو في تسجيل خمسة أهداف في مباراة واحدة فقط ضد الكاميرون، محطمًا بذلك الرقم القياسي ومصبحًا أول لاعب والوحيد الذي يسجل هذا العدد من الأهداف في مباراة واحدة في تاريخ النهائيات. كما شهدت المباراة مشاركة اللاعب الكاميروني المخضرم روجيه ميلا وتسجيله هدفًا وهو في عمر 42 عامًا و39 يومًا، ليصبح أكبر لاعب في تاريخ النهائيات يشارك ويسجل هدفًا.

شهدت هذه النهائيات أيضًا أول حالة طرد لحارس مرمى، وكانت من نصيب الحارس الإيطالي جيانلوكا باليوكا في مباراة منتخب بلاده ضد النرويج.

المجموعة النارية والهدف الأسطوري:

ضمت المجموعة منتخبات بلجيكا وهولندا والسعودية والمغرب. وهي مجموعة قوية للغاية تضم منتخبًا يشارك للمرة الأولى وهو المنتخب السعودي، والذي سيحقق إنجازًا تاريخيًا لاحقًا، على الرغم من أن مدربه الأرجنتيني القدير خورخي سولاري قد تم تعيينه قبل البطولة بأشهر معدودة. وتقدم المنتخب السعودي على نظيره الهولندي في المواجهة التي جمعت بينهما بهدف تاريخي سجله النجم فؤاد أنور، الذي دخل التاريخ من أوسع أبوابه كأول لاعب سعودي يسجل في نهائيات كأس العالم. إلا أن المنتخب الهولندي، بفضل خبرة لاعبيه وأخطاء الحارس محمد الدعيع، تمكن من تحقيق الفوز في اللحظات الأخيرة.

وشهدت البطولة أيضًا أول مواجهة عربية في تاريخ النهائيات بعد مرور 64 عامًا على انطلاقها، حيث التقى المنتخبان السعودي والمغربي. وتمكن المنتخب السعودي من تحقيق الفوز بنتيجة 2-1، وسجل مهاجمه سامي الجابر هدفًا من ركلة جزاء، وعزز الفوز قائده فؤاد أنور، ليصبح بذلك أول لاعب سعودي يسجل هدفين في تاريخ مشاركات المملكة في كأس العالم.

في مباراة السعودية وبلجيكا، وتحديدًا في الدقيقة الخامسة، انطلق سعيد العويران بالكرة نحو مرمى بلجيكا بطريقة مشابهة لانطلاقة مارادونا الشهيرة في عام 1986، حيث انطلق من منتصف ملعبه وتجاوز جميع اللاعبين ليجد نفسه في مواجهة الحارس البلجيكي العملاق ميشيل برودوم، ليضع الكرة في الزاوية البعيدة مسجلًا هدفًا أسطوريًا مشابهًا لأهداف مارادونا، منهيًا بذلك نظافة شباك بلجيكا، وتم اختيار هذا الهدف كأجمل هدف في نهائيات عام 1994، وثالث أجمل هدف في تاريخ نهائيات كأس العالم. وحقق المنتخب السعودي الفوز، ليصبح أول منتخب عربي من قارتي آسيا وأفريقيا يحقق فوزين متتاليين والوحيد الذي يحقق هذا الإنجاز. وتساوت المنتخبات الثلاثة برصيد ست نقاط، وفصل بينها فارق الأهداف.

لم يتمكن لاعبو المنتخب السعودي من تعزيز فرصهم في تحقيق المزيد من الإنجازات بعد الهدف الأسطوري أمام بلجيكا، ودفعوا ثمن ذلك بحلولهم في المركز الثاني في المجموعة، وبالتالي اضطروا لمواجهة المنتخب السويدي القوي، الذي احتل المركز الثالث في البطولة لاحقًا. وفي المقابل، واجهت هولندا منتخب إيرلندا الأضعف بكثير من السويد.

واجه المنتخب السعودي نظيره السويدي، ولكنه خسر بثلاثة أهداف مقابل هدف، لتنتهي بذلك المغامرة السعودية عند هذا الحد. إلا أن المباراة شهدت بصمة رائعة بتسجيل اللاعب الشاب فهد الغشيان هدفًا، ليسجل اسمه في التاريخ كأصغر لاعب عربي يسجل هدفًا في المونديال، حيث كان يبلغ من العمر 20 عامًا و11 شهرًا ويومين.

لم يشهد الدور ثمن النهائي من البطولة أي مفاجآت تذكر، وجاءت النتائج منطقية وطبيعية، باستثناء تأثر المنتخب الأرجنتيني بغياب قائده الروحي والفني مارادونا، ليخرج من البطولة على يد رومانيا. كما عانى المنتخب الإيطالي الأمرين حتى تمكن من تجاوز منتخب نيجيريا الذي كان يشارك للمرة الأولى في البطولة في الوقت الإضافي.

في الدور ربع النهائي، لم تحدث سوى مفاجأة واحدة تمثلت في إقصاء منتخب بلغاريا للمنتخب الألماني، فيما تخطى المنتخب السويدي نظيره الروماني بصعوبة بالغة بركلات الترجيح. وفي الدور نصف النهائي، تجاوز المنتخب الإيطالي نظيره البلغاري، وفي المقابل تجاوز المنتخب البرازيلي نظيره السويدي بهدف وحيد صعب.

أما مباراة تحديد المركزين الثالث والرابع، فقد تميزت بمشاركة الحكم الإماراتي علي بوجسيم، وشهدت تفوقًا سهلًا للمنتخب السويدي على نظيره البلغاري.

النهائي الممل:

تكرر في نهائي كأس العالم 1994 لقاء منتخبي البرازيل وإيطاليا، وهو اللقاء الذي سبق وأن جمع بينهما في نهائي عام 1970 في المكسيك. وعلى النقيض من ذلك النهائي المثير، اتسم هذا النهائي بالملل والرتابة، ولم يشهد تسجيل أي هدف طوال الأشواط الأربعة. وكما أطلق لقب "قاهر إيطاليا" على اللاعب دونادوني في عام 1990، نال روبرتو باجيو هذا اللقب بعدما أضاع ركلة الترجيح الحاسمة في سماء باسادينا وملعب روز بول، ليحقق المنتخب البرازيلي كأس العالم للمرة الرابعة في تاريخه، كأول منتخب والوحيد في العالم آنذاك الذي يحقق هذا الإنجاز.

* مؤرخ رياضي

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة