الأرجنتين ومارادونا يتوجان بكأس العالم في المكسيك 1986- ملحمة كروية لا تُنسى

المؤلف: كتب: عمرو فقيه * faqeeh_1979@08.04.2025
الأرجنتين ومارادونا يتوجان بكأس العالم في المكسيك 1986- ملحمة كروية لا تُنسى

الدولة المضيفة: المكسيك، التي استضافت بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 1986.

المنتخبات المتنافسة: شهدت البطولة تتويج المنتخب الأرجنتيني باللقب، بينما حلّ المنتخب الألماني في المركز الثاني، وجاء المنتخب الفرنسي في المركز الثالث، والمنتخب البلجيكي في المركز الرابع.

هداف البطولة: تألق اللاعب الإنجليزي غاري لينيكر بتسجيله 6 أهداف، ليظفر بلقب هداف البطولة.

ظروف الاستضافة: بعد اعتذار كولومبيا عن استضافة البطولة بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة عام 1983، تقدّمت عدة دول من الأمريكتين وكندا بطلبات استضافة، إلا أن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) اختار المكسيك، التي سبق لها تنظيم البطولة قبل 16 عامًا فقط. بذلك، حققت المكسيك إنجازًا تاريخيًا كأول دولة في العالم تستضيف هذا الحدث الرياضي الضخم مرتين، على الرغم من الظروف المناخية الحارة والارتفاع الشاهق عن سطح البحر.

نظام البطولة: تم إلغاء نظام دور المجموعات في الدور الثاني بشكل نهائي، وتقرر تأهل بعض الفرق كأفضل المنتخبات التي احتلت المركز الثالث في مجموعاتها. كما تقرر لعب المباريات الأخيرة من كل مجموعة في توقيت واحد، وذلك بعد فضيحة خيخون الشهيرة بين ألمانيا الغربية والنمسا، وقبلها فضيحة الأرجنتين والبيرو، والتي ساهمت في خروج منتخبي الجزائر والبرازيل. الجدير بالذكر أن هذه النسخة شهدت مشاركة ثلاثة منتخبات عربية في المونديال للمرة الأولى في التاريخ، وهي الجزائر والمغرب والعراق.

مشاركة عربية تاريخية: سجلت الجزائر اسمها كأول دولة عربية تشارك في النهائيات مرتين على التوالي. وشاركت المغرب كذلك للمرة الثانية في تاريخها، في مفارقة مثيرة أن كلتا المشاركتين كانتا في المكسيك.

المنتخب العراقي: شارك العراق لأول مرة في تاريخه، وكان المنتخب الوحيد على مستوى العالم الذي يخوض التصفيات بأكملها خارج أرضه، وذلك بسبب ظروف الحرب مع إيران. كما شاركت المملكة العربية السعودية ممثلة بحكمها الدولي فلاج الشنار، الذي قاد مباراة كوريا الجنوبية وبلغاريا. في مفاجأة من العيار الثقيل، تعادل حامل اللقب المنتخب الإيطالي في مباراة الافتتاح ضد بلغاريا، والأخيرة تأهلت للدور الثاني دون تحقيق أي فوز، وبوجود تعادلين فقط، بل وبفارق سلبي من الأهداف!

نتائج المنتخبات العربية: خسر المنتخب العراقي مباراته الأولى أمام الباراغواي بهدف، ثم خسر أمام بلجيكا بنتيجة (2/1)، وشهدت المباراة تسجيل الأسطورة أحمد راضي هدف العراق الوحيد في المونديال. كما نال اللاعب العراقي باسل كوركيس أول بطاقة حمراء في تاريخ مشاركات المنتخبات العربية في كأس العالم، بل وتم إيقافه لمدة عام بعد بصقه على الحكم. واختتم المنتخب العراقي مشاركته بالخسارة أمام المكسيك بهدف يتيم.

الجزائر: شهد مستوى المنتخب الجزائري انخفاضًا ملحوظًا مقارنة بالنسخة الماضية من البطولة، حيث تعادل مع إيرلندا الشمالية بهدف لكل منهما، ولكنه خسر بصعوبة بالغة أمام البرازيل بهدف نظيف، بل وأحرجها كثيرًا. وفي المباراة الأخيرة، خسر المنتخب الجزائري أمام إسبانيا بثلاثية نظيفة.

المغرب: افتتح المنتخب المغربي مبارياته بمواجهة منتخب بولندا القوي، وسيطر على مجريات اللقاء الذي انتهى بالتعادل السلبي. وتكررت النتيجة ذاتها في مباراة المغرب ضد إنجلترا، على الرغم من طرد لاعب إنجليزي. وفي المباراة الأخيرة، سطّر المنتخب المغربي اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ الرياضة، بتحقيقه فوزًا تاريخيًا بثلاثية نظيفة على البرتغال، ليصبح أول دولة عربية وأفريقية تتأهل للدور الثاني، بل وتتصدر مجموعتها.

الدور الثاني:

شهد الدور الثاني من البطولة تأهل البلد المضيف المكسيك إلى الدور ربع النهائي على حساب منتخب بلغاريا المتواضع، بالإضافة إلى مباراة بلجيكا والاتحاد السوفيتي المثيرة، وانتقام المنتخب الأرجنتيني من الأوروغواي بعد 56 عامًا، واكتساح البرازيل لبولندا، وخروج حامل اللقب المنتخب الإيطالي على يد فرنسا، وخروج المنتخب المغربي بصعوبة بالغة وبركلة حرة مباشرة من أمام ألمانيا الغربية قبل نهاية الوقت بدقيقتين فقط.

الدور ربع النهائي:

شهد هذا الدور مباريات مثيرة وحماسية، حيث وصلت قمة فرنسا والبرازيل إلى ركلات الترجيح بعد صراع شرس. نال قائد المنتخب البرازيلي إدينيو بطاقة صفراء خلال ركلات الترجيح، ليصبح أول لاعب في تاريخ المونديال يحصل على بطاقة في هذا التوقيت. ولكن المكسب الأهم كان من نصيب فرنسا التي تأهلت. الأمر ذاته تكرر في لقاء ألمانيا الغربية والمكسيك، حيث كانت ركلات الترجيح هي الحاسمة، والتي خسرتها البلد المضيفة. وفي المباراة الثالثة، تمكنت بلجيكا من تجاوز إسبانيا بالركلات الترجيحية أيضًا.

الأرجنتين وإنجلترا: بينما كان اللقاء الذي جمع بين منتخبي الأرجنتين وإنجلترا لقاءً تاريخيًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بل وإحدى المباريات الخالدة في تاريخ كرة القدم. من حسن حظ الحكم العربي التونسي علي بن ناصر أنه حظي بشرف قيادة هذه المباراة التاريخية، ولكنه ظل وصمة عار عليه وإلى الأبد بعد نهايتها.

"يد الله": سجل الأسطورة دييغو مارادونا اسمه كأول وآخر لاعب في العالم يقود بمفرده منتخبًا كاملاً ويحقق به كأس العالم. كانت هذه المباراة إحدى اللحظات الأسطورية، فقد سجل هدفًا شهيرًا بيده واعتبره لاحقًا "اليد الإلهية"، وظلت تلك اللقطة الأكثر جدلاً في تاريخ النهائيات. وعلى الرغم من توسلات الإنجليز للحكم التونسي بن ناصر، إلا أنه لم يذعن وأصر على قراره. ورد مارادونا بهدف أعظم أسكت الإنجليز حينما تجازوهم من منتصف ملعبهم حتى حارسهم، واعتبره النقاد هدفًا عن عشرة، وسجل أجمل هدف في تاريخ كأس العالم حتى اللحظة وربما حتى النهاية!

النهائي:

تجاوز المنتخب الأرجنتيني نظيره البلجيكي، بينما تمكن المنتخب الألماني الغربي من تخطي عقبة فرنسا. كان الألمان يعترفون بأفضلية الأرجنتين عليهم، ولكنهم يؤمنون دائمًا بأن المستحيل ليس ألمانيًا. تقدم المنتخب الأرجنتيني بهدف بخطأ فادح من الحارس الألماني شوماخر، ثم عزز تقدمه بهدف آخر عن طريق فالدانو بعد تمريرة سحرية من مارادونا. تحرر الألمان بعد شعورهم بالهزيمة وتركوا رقابة مارادونا الأسطوري، ومن ركلتي زاوية وفي (8) دقائق فقط سجلوا هدفين عن طريق رومينيغيه وفوللر. كبرت طموحات الألمان وواصلوا الهجوم بغية الفوز، ونسوا أن هناك مارادونا الساحر الذي صنع الهدف الثالث قبل النهاية بقليل، ليتوج المنتخب الأرجنتيني، أو بالأحرى مارادونا بمفرده، بطلاً لكأس العالم في نسخة خارقة وإعجازية.

* مؤرخ رياضي

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة